أصدر السيد قاضي محكمة التنفيذ من تلقاء نفسه قراراً بوقف اجراءات تنفيذ حكم التحكيم الصادر في مواجهة أحدي مؤسسات الحكومة على سند أن المادة (213) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م تعديل لسنة 2018م تستوجب إبلاغ رئيس المحكمة القومية العليا ([1]) .
لم يستأنف السيد محامي المدين القرار على اساس أنه لا يجوز استئنافه وفقا لنص المادة (49) من قانون التحكيم لسنة 2016م والتي تقرأ كالآتي: (لا يجوز استئناف الأمر الصادر من المحكمة المختصة بتنفيذ حكـم هيئة التحكيم).
وأرسلت محكمة التنفيذ -الإبلاغ - الي فخامة السيد رئيس المحكمة القومية العليا، ويبدو لي بأن سعادة السيد رئيس المحكمة القومية العليا سيرسل تنبيه تعلمي لمحكمة التنفيذ بأن: (المادة (213) من قانون الاجراءات المدنية لسنة 1983م تعديل 2018م لا علاقة لها بأحكام التحكيم في مواجهة الحكومة طالما اختارت الحكومة بإرادتها الحرة اللجوء الي التحكيم، وإنما يطبق النص المذكور على القضاء الصادر من محاكم الدولة).
أما عن الاجتهاد القضائي للسيد قاضي محكمة التنفيذ فهو غير موفق وكذلك فهم السيد محام المدين لنص المادة (49) المذكور اعلاه . فالأخطار المقصود في نص المادة (213) من قانون الاجراءات المدنية لسنة 1983م يتعلق بتنفيذ الحكم القضائي الصادر من محاكم الدولة في مواجهة الحكومة ، بهدف اخطار سعادة وزير العدل عبر رئيس المحكمة القومية العليا لحل النزاع خلال المهلة الزمنية المحددة والا يتم التنفيذ الجبري في مواجهة الحكومة.
أما تنفيذ حكم التحكيم فحددت المادة (47) من قانون التحكيم لسنة 2016م متطلباته على سبيل الحصر([2]). ولم يكن من بينها إخطار صاحب الفخامة رئيس المحكمة القومية العليا، وتطبيقاً لذلك قضت المحكمة العليا الموقرة بالآتي : (أن محكمة التنفيذ غير معنية بإتباع الإجراءات التي نصت عليها المادة (231/1) من قانون الاجراءات المدنية لسنة 1983م حال تنفيذها لحكم هيئة التحكيم الصادر في مواجهة جهة حكومية وذلك لأن المادة (45) من قانون التحكيم لسنة 2005م المتعلقة بمتطلبات التنفيذ لم يرد في أي بند من بنودها ضرورة إتباع اجراءات معينة ، ولم تحل لنص المادة (231/ 1) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م) ([3]).
اما عن عدم الطعن بالاستئناف فتري المحكمة العليا الموقرة ليس كل أمر محصن بعدم الطعن فيه وتطبيقاً لذلك قضت المحكمة العليا الموقرة بالآتي : (هدف المشرع الي حماية الأحكام التي تصدرها هيئة التحكيم حتي لا يهدر الغرض من التحكيم لأنه طريق يرتضيه الأطراف لحل النزاعات لذلك وضعت القيود القانونية بشأن كيفية الطعون وهذا لا يعني أن كل إجراء اتخذته محكمة التنفيذ هو اجراء صادر بتنفيذ حكم هيئة التحكيم وانه محصن بالنص المذكور والاجراء الذي اتخذته محكمة التنفيذ يخرج من هذه الحماية لأنها تدخلت في الحكم) ([4]).
مما سبق يتضح لنا بأن المحكمة العليا عند تفسيرها لنص المادة (47) من قانون التحكيم (الملغي) لسنة 2005م وتقابلها المادة (49) من القانون الساري لسنة2016م قررت عدم جواز الطعن في الأمر الصادر من المحكمة عند تنفيذ حكم هيئة التحكيم ولكن هناك استثناءات منها تدخل محكمة التنفيذ في الحكم
والكاتب يحترم ويقدر بشدة أحكام المحكمة العليا الموقرة ولكن له وجهة نظر مغايرة للتفسير الوارد في السابقة اعلاه لنص المادة (49) والتي تقرأ كالآتي : (لا يجوز استئناف الأمر الصادر من المحكمة المختصة بتنفيذ حكـم هيئة التحكيم). فسرتها المحكمة العليا بعدم الطعن في أي أمر صادر عند التنفيذ (أي اثناء سير التنفيذ) واستثنت من ذلك تدخل محكمة التنفيذ في حكم التحكيم .
ولكن المادة (49) تقرأ عند تفسيرها مع ما قبلها من مواد ( المادة 47 و48 ) حيث ان المادة (47) قضت بالاتي: (لا يجوز تنفيذ حكم هيئة التحكيم وفقاً لأحكـــام هــــذا القانون، إلا بعد التحقق من الآتي: ( وذكرت متطلبات تنفيذ حكم التحكيم الوطني )( ([5]).
والمادة (48) قضت بالاتي: (لا يجوز تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي أمام المحاكم السودانية إلا بعد التحقق من استيفائه للشروط الآتية: ( وذكرت متطلبات تنفيذ حكم التحكيم الخارجي) ([6]).
ومحكمة التنفيذ بعد التأكد من توافر متطلبات تنفيذ حكم التحكيم سواء كان حكم تحكيم وطني أو اجنبي تصدر الأمر(بتنفيذ حكـم هيئة التحكيم) لاحظ العبارة في نص المادة (49) ( بتنفيذ حكـم هيئة التحكيم) ويقصد به القرار الصادر بتصريح وتنفيذ حكم التحكيم فهو غير قابل للطعن بالاستئناف .
فنص المادة (49) يعالج (الأمر الصادر من المحكمة المختصة بتنفيذ حكـم هيئة التحكيم) فلا يجوز الطعن فيه بالاستئناف، أما الأوامر الصادرة اثناء سير التنفيذ مثل الحالة التي فصلت فيها المحكمة العليا الموقرة والحالة محل الدراسة يجوز الطعن فيها وفقاً للقواعد العامة التي ينص عليها قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م، فالأمر الصادر بإبلاغ رئيس المحكمة القومية العليا بتنفيذ حكم التحكيم لا سند له في القانون وبالتالي يعتبر حكم باطل قابل للطعن فيه بالاستئناف .
( والله أعلم ) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ،،،
(أبو محمد الصادق)
د. حاتم عبدالرحمن محمد حسن إبراهيم
قاضي محكمة الاستئناف – ولاية النيل الأزرق (الدمازين )
الجمعة / 18/ ديسمبر / 2020م
(1) انظر المادة (213) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م تعديل لسنة 2018م
(2) يرجي التكرم بالاطلاع على المادة (47) من قانون التحكيم لسن 2016م
(3) مجلة الأحكام القضائية السودانية العدد 2011م
(4) مجلة الأحكام القضائية السودانية العدد 2005م ص 83
(5) انظر متطلبات تنفيذ حكم التحكيم الوطني ( المادة 47من قانون التحكيم لسنة 2016م )
(6) انظر متطلبات تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي ( المادة 48من قانون التحكيم لسنة 2016م )