محاولة وضع دستور انتقالي لتنظيم مؤسسات السلطة الانتقالية ورسم خارطة طريق لعملية التحول الديمقراطي المنشود تجد كل الدعم والمساندة من الجميع. وما قامت به اللجنة التسيرية لنقابة المحامين من اعداد مشروع الدستور الانتقالي لسنة 2022م يجب أن يجد الدعم والمساندة في ظل حالة الانسداد التي تشهدها البلاد في الفترة الأخيرة. وبما أن مشروع الدستور الانتقالي يعتبر مسودة خاضعة للنقاش والدراسة حتى يتم الوصول الى صيغة نهائية تلبي وترضي طموحات الشعب السوداني، هذه ملاحظات على بعض ما ورد في مشروع الدستور الانتقالي.
تجربة العدالة في الفترة الإنتقالية وفقاً للوثيقة الدستورية لسنة 2019م اعترتها الكثير من الإخفاقات والمشاكل، خاصةً وأن المحكمة الدستورية التي نصَّت عليها الوثيقة الدستورية لم يتم إعادة تشكيلها. ولم يتم إصدار القوانين التي تُساهم في تشكيل المحكمة الدستورية مثل قانون مجلس القضاء الأعلى الذي بموجبه يتم تشكيل مجلس القضاء الأعلى. وبعد تشكيل المجلس الأعلى للقضاء يقوم المجلس باختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ويتولى مجلس السيادة اعتماد تعيينهم. غياب المحكمة الدستورية خلال الفترة الانتقالية أدى إلى كثير من التعقيدات القانونية مثل إنعدام سبل الانصاف والرقابة على دستورية القوانين والنصوص، وغياب الحماية للحقوق والحريات العامة. سادت قوانين مخالفة للوثيقة الدستورية بل أصبحت في مرتبة أعلى من الوثيقة، ومكث البعض في السجون دون محاكمة أكثر من المدة القانونية بلا رقيب ولا حسيب.
مشروع الدستور الإنتقالي نصَّ في المادة (60/1) على إنشاء المحكمة الدستورية، واعتبر المحكمة الدستورية محكمة مستقلة ومنفصلة عن السلطات الأخرى في الدولة مثل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية. لكن نصَّت الفقرة (2) من نفس المادة على أن اختيار رئيس وأعضاء المحكمة يكون بواسطة القوى السياسية الموقعة على الاعلان السياسي!. وجاء النص كما يلي: (يعتمد مجلس السيادة رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بعد اختيارهم بواسطة القوى الموقعة على الإعلان السياسي مناصفة بين الجنسين مع مراعاة التنوع). هذا النص يتناقض مع مبدأ استقلالية المحكمة الدستورية. إذ أن اختيار رئيس واعضاء المحكمة الدستورية بواسطة قوى سياسية يجعل القضاة المختارين تحت دائرة وشبهة التحيز للجهة التي اختارتهم، كما أن القوى السياسية التي تختار رئيس وأعضاء المحكمة قد ترغب في تمرير قوانين ونصوص لخدمة مصالح سياسية بحتة. لذلك اختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية من نفس القوى السياسية ذات المصلحة السياسية يقدح في الرقابة الدستورية على القوانين.
حتى تكون المحكمة الدستورية مستقلة ومنفصلة عن السلطات الأخرى في الدولة ومستقلة عن القوى السياسية، يجب أن يتم اصدار قانون مجلس القضاء الأعلى ويكون هو الأساس القانوني لإختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية. لأن بموجب القانون يتم تشكيل مجلس القضاء الأعلى، ومن ثم يتولى مجلس القضاء الأعلى اختيار رئيس وقضاة المحكمة الدستورية. على الأقل قانون مجلس القضاء الأعلى يصدر من المجلس التشريعي الانتقالي وهو صاحب الاختصاص الحصري في التشريع. كما أن رئيس واعضاء المحكمة الدستورية يتم اختيارهم من الكفاءات المهنية التي تدرجت في السلك القضائي والعدلي. لذلك فان مجلس القضاء الأعلى يشكل ضمان حقيقي لإختيار رئيس وقضاة المحكمة الدستورية. ولنا عودة